الاثنين، 26 مايو 2008

المعارضة الغير قابله للتفاوض، ونظره لأنفسنا

أغرب شيء أنك تجد الأحزاب المختلفه بمصر تتهم الحكومة بأنها تعتقل من يعترض عليها و يقول رأيه صراحة في النظام،
يقولون هذا الكلام وفي نفس الوقت هم غير قابلين للتفاوض!
فعندنا الأحزاب لها أسلوب غريب في المعارضة
فالمعارضة عندنا معناها أن تصدر صحيفة و تشتم فيها الحكومة
هذا هو المقصود بالمعارضة أن تشتم وتهاجم حتى تكون رجل المعارضة الأول
وليس لي أي اعتراض على مهاجمة الحكومة في الصحف
لكن المشكلة الكبرى أن هناك اعتقاد موجود عند الكثير من الناس
هذا الاعتقاد أن كل من يهاجم الحكومة يكون ملاك وكل من يهاجم الحزب الوطني يكون هو الشريف
---
المأساة أن من يعارضون الحكومة و يشتكون من تقييد حرية الرأي من الناصريين للتجمع إلى حزب الوفد مرورا ببعض الإخوان المسلمون وأنصار حزب الغد أساسا أناس غير قابلين للتفاوض
فإن حدث و اعترضت على أمر من أمور الإخوان المسلمين فأنت مع الحكومة وتلميذ نجيب للحزب الوطني
وإن قلت أن أيمن نور لا يعجبك فأنت تأخذ راتب شهري من جمال مبارك
و عندما تتناقش مع أحد أنصار أيمن نور يجب أن تقول أشياء محدده
وهي أن القاضي الذي حكم عليه قاضي مرتش
و التهم الموجهة إليه تهم باطلة وملفقة من قبل الحكومة
و الشهود الذين شهدوا ضده شهود زور
وأيمن نور فقط هو القديس الذي لا يخطئ أبدا
فأنت كرجل منتميا لحزب الغد لا تتحدث باسم الحزب ولكن يجب عليك أن تعبد الشخص المنتمي للحزب حتى لو أخطأ
فإن خالفت هذه الأشياء – أو حاولت أن تتناقش- في هذه الأمور فأنت ذيل للحكومة و الحزب الوطني
وإن لم يعجبك جمال عبد الناصر فأنت في نظر الناصرية رجل جاحد ولا تفهم في شيء
لأن جمال عبد الناصر هو عندهم كل شيء
فهو أبو القومية العربية وهو رافع رأس العروبة عاليا على الرغم من أنه المتسبب في كارثة 67
فهم أيضا لا يدافعون عن الحزب الناصري ولكن يدافعون عن شخص جمال عبد الناصر ويعلقون الصور الخاصة به على الحوائط على الرغم من وفاته من 38 سنه
" تخيل معي: واحد يعلق صورة واحد مات من 40 سنه، الله أعلم يمكن منتظره يصحى"
ووصل الأمر إلى أن الكثير منهم يعتقد أنه المخطط الحقيقي لحرب 73 وليس السادات لكن فقط القدر لم يمهله الوقت لتحرير سيناء!!
وإن شاهدك أحد الموالين للحزب الوطني تقف مع مرشح مستقل في الانتخابات فأنت بالتأكيد ضد الحزب ،
فإن كنت مع الوطني فهذا معناه أن تبقى معه إلى أن تموت ويجب عليك أن تكون مع مبارك ومن سيخلفه من الحزب الوطني إلى الأبد
فبما أنك مع الحزب الوطني إذن ينبغي عليك أن تعيش فيه حتى لو رأيت الخطأ عندهم بعينيك
وهذه هي الكارثة
فهؤلاء جميعا أناس غير قابلين و غير مستعدين للنقاش لأن الأسلوب العام لديهم هو إما أن تكون معي أو ضدي
ومن النادر أن يقبل أحدهم منك كلمة لا أو أن يقبل أحدهم أي اعتراض بسيط منك على النظام الخاص به
فتخيل معي لو أن أحد قيادات هذه الأحزاب و حركات المعارضة أمسك بزمام الأمور داخل مصر المحروسة ماذا سيفعل معك لو اعترضت عليه في يوم من الأيام؟
بالطبع سيقذف بك داخل المعتقل على الفور حتى يتقي شر صوتك العالي بدلا من أن تقلب عليه الدنيا و تفضح أمره و تهز مركزة العالي بعد أن حقق ما كان يحلم به من سنوات طوال وهو كرسي الحكم فمن الصعب أن يتركك بسهولة تتحدث كيفما تشاء
وهذه هي المأساة التي نعيشها هذه الأيام
وهي أن أحمد زي الحاج أحمد
لكن هذا ليس بجديد علينا كمصريين،
فهذه التصرفات ليست حالة عارضة فقد تربينا على النظم الديكتاتورية منذ الصغر ففي هذا الأمر جذور تاريخية
ففي المنزل يستحيل أن تقول رأيك أمام والدك و إلا تعرضت للعقاب فلا يتم أخذ رأيك في أي شيء أو يتم إجبارك على معظم أمور الحياة و تنفيذ الأوامر بلا نقاش
وفي المدرسة كان يأتي لنا سؤال هام في امتحانات اللغة العربية دائما،
هذا السؤال يسألك فيه عن رأيك في أحد أمور القصة التي ندرسها أو يسألك عن رأيك في أسلوب شاعر معين كأحمد شوقي أو ابن الرومي و غيرهم فيتم التنبيه عليك من جانب المدرس الخصوصي بأنه إذا قال لك في الامتحان ما هو رأيك في أسلوب الشاعر عليك بكتابة كذا وكذا و يكون هذا هو رأيك!
ويا سبحان الله
يأتي امتحان الثانوية العامة و يقول لك ما هو رأيك في شعر أحمد شوقي مثلا
فيجيب على هذا السؤال 400 ألف طالب نفس الإجابة و يكون هو رأيهم
نفس الأمر داخل الجامعات
يقول لك الدكتور في الامتحان وضح رأيك في الموضوع الفولاني وعليك بكتابة رأي الدكتور بالحرف الواحد حتى لا تتعرض للرسوب في المادة
ليس هذا فقط
بل في بعض الكليات العملية إذا أجبت على سؤال محدد الإجابة الصحيحة ولكن من مرجع أجنبي آخر غير الكتاب الخاص بالدكتور تعرضت على الفور للرسوب لأن الدكتور عندها يعتقد انك تريد بهذه الإجابة أن تتكبر عليه بإجابتك من خارج كتابه !
وفي الأمور الخاصة بالعمل ففي العمل وداخل الشركات يستحيل عليك أن تعارض أو تقول رأيك لمديرك
وإن طلبت تعديل على شيء هو واضعه يبدأ يفكر في أنك تستعرض عليه قدراتك ويبدأ في التربص بك و تهميشك في العمل وربما سعى للتخلص منك برفدك هذا إذا لم تقول حاضر و نعم مثل باقي الناس فإبداء الرأي في العمل سيعرضك لقطع عيشك لا محالة
وفي البرامج التليفزيونية إذا قلت أن صوت أم كلثوم أو عبد الحليم حافظ لا يعجبك فأنت بذلك رجل متخلف ولا تفهم في الفن!
وفي بعض المنتديات يقوم المشرف بحذف مواضيع وطرد الأعضاء فقط لمخالفته في الرأي وليس المخالفة في الآداب العامة

هذا هو حال الناس أنفسهم في البيت و الشارع والحزب و العمل ومع بعضهم البعض
فإذا كنا نفعل كل هذه الأمور مع بعضنا البعض وداخل عدد غير قليل منا ديكتاتور خامل ينتظر فقط منصب أو فرصة في أن يكون تحت يده مجموعة من البشر ليبيع و يشتري فيهم
فإذا كان هذا هو سلوكنا لماذا نعترض الآن على الحكومة ونتعجب من أنها ليست ديمقراطية؟
---
زمان قالوا أن الملك فاروق رجل فاسد ثم قالوا أن عبد الناصر ديكتاتور ومن بعده السادات رجل مفتري
والآن مبارك رجل ظالم و من معه لصوص ونشكو منذ مائة سنه من الحكام

لكن أحدا لم يلتفت لشيء هام
وهو أن جورج بوش أيضا حرامي وديك تشيني ورامسفيلد لصوص
و الانتخابات في أمريكا أيضا يتم تزويرها وتم رصد العديد من التجاوزات وفي أمريكا يحدث كل أنواع القهر للمعتقلين في السجون
فالمعتقل في أمريكا من أسوأ المعتقلات الموجودة على وجه الأرض على الرغم من الادعاء بأنهم بلد الحريات وأنصار حقوق الإنسان، لكن لا أحد يتحدث معهم لأن حقوق الإنسان هذه تطبق على الغلابه فقط
يعني مصر بها لصوص و أمريكا بها لصوص ومصر تزور الانتخابات و أمريكا أيضا تزورها
لكن هل الناس في مصر مثل الناس في أمريكا؟

---
المشكلة عندنا أننا نقف ضد الطبيعة وضد نظام الكون نأتي لرأس الأمر و نقول أن الحكومة فاسدة الحكومة
بالفعل هي فاسدة
لكن نحن لسنا ملائكةالناس
أيضا بأمريكا و أوربا ليسوا بملائكة
لكن نحن بعضنا البعض نمارس كل أنواع الديكتاتورية والتعالي والفساد و التعامل السيئ وعدم سماع الرأي الآخر
وها نحن نجني ثمار أفعالنا الآن
فقد رزقنا الله بهذه الحكومة لأننا لا نستحق أفضل منها
فإن أردت أن تصلح الأحوال فلا تبني العمارة من الدور الأخير ولكن عليك بالأساس وهم الناس
لأنه إن لم ينصلح أمر الناس لعاشوا في ظل الديكتاتورية ألف سنه قادمة لأن الحاكم ومن معه من حكومة و قيادات شعبية و رؤساء شركات وخلافة ما هم إلا عينه من الشعب بالكامل
وإن لم نصلح من أنفسنا فسنشتكي إلى يوم الدين تماما كما نفعل من مائة عام حتى الآن فمر علينا ملوك و رؤساء وحكومات عدهوأجمعنا على أن الحكومات كلها فاسدةولم ننظر إلى أنفسنا مرة واحدة طوال هذه المدة