الاثنين، 26 أكتوبر 2009

مشكلة عمرها مائة سنه

تحديث
**************************
قد قدم اليوم محمد لطفي منصور استقالته كما أراد الناس وسوف تحضر الحكومه وزير جديد للنقل ليكون الفارس الذي سيخلص البشرية من عذاب القطارات وكأن المشكله الكبيرة والأساسية كانت في وجود الوزير وتغييره هو الحل، وقد استقال منصور الذي يتعبر من أنجح رجال الأعمال الذين عرفتهم مصر وهو في الأساس ليس في حاجة إلى الوزارة أو النظر إلى الوجاهه الإجتماعيه لأن الجميع يعرف من هو منصور، لكنه في نظر الكثيرين وزير فاشل، وقد حملوا الرجل أخطاء الماضي والحاضر وكأنه هو فقط من يجب محاسبته من بين مسئولي مصر على هذا الحادث !
******************************
عندما تحدث أي كارثة لا نفكر في أي شيء سوى النظر إلى المسئول الكبير عن الموقع الذي حدثت به الكارثة
قد يكون هذا الأمر صحيحا ولكن ليس في جميع الأمور
وما أن حدثت الكارثة الخاصة بحادث القطار منذ يومان حتى طالب الجميع –كالعادة- برأس وزير النقل وكأن حرمانه من المنصب هو الحل وهو الذي سيحقق لنا ما نريد مستقبلا من السكك الحديدية من تطور ونظام وعدم تكرار الحوادث المأساوية
المتابع لحال السكك الحديدية منذ أيام الأفلام الأبيض وأسود التي تعرض في التليفزيون المصري سيكتشف شيء غريب
وهو أنه منذ حوالي مائة سنة والناس يركبون القطارات والقطارات مزدحمة والناس ينامون في مكان وضع الحقائب وتكون أرجلهم "مدلدله" على من يجلسون على الكراسي وآخرون ينامون في نفس المكان
هذا الوضع تقريبا لم يتغير منذ مائة سنه حتى الآن
معظم مشاهد القطارات في السينما المصرية على مختلف عصورها تثبت أن المشهد لم يتغير


من أيام نجيب الريحاني مرورا بفيلم لفريد الأطرش وشادية في فيلم –أنت حبيبي- وكان فريد يغني في القطار والقطار مزدحم والشبابيك مفتوحه ثم عادل امام وسعيد صالح في السبعينيات ثم أحمد زكي في الثمانينيات وهكذا
المشهد تقريبا واحد
قطار مزدحم بشده واناس كثيرون يجلسون في مكان الحقائب
القطارات لا تكفي عدد الركاب
والمشاهد تتكرر منذ عشرات السنين ولا فائدة من أي شيء
حتى أن هناك بعض المحطات التي تحمل اسماء مدن كبيره ومحافظات لم تتغير من عشرات السنين
والآن نطالب برأس محمد لطفي منصور ونحمله مسئولية مشكلة عمرها يقارب المائة عام ومناظر الركاب ومناظر القطارات كما هي ولا جديد في أي شيء
كما انه لا يذكرنا بأن هناك مشكله سوى أن تحدث كارثة
وما ان تنتهي الكارثة فإننا ننساها وننسى ما كنا نتحدث فيه لأن الكوارث عندنا تنتهي بالتقادم وتسقط من الذاكرة ولا نسعى حتى لوضع حلول
فقط نفكر في الإطاحة بالمسئول

...
ماذا تحتاج السكك الحديدية في مصر؟
هذا هو السؤال الهام الذي يجب أن نبحث له عن إجابة
السكك الحديدية تحتاج إلى اموال وأموال طائلة
يوجد عجز شديد في الجرارات ويبلغ ثمن الجرار الواحد يقدر بالملايين ويأتي من أمريكا حيث أننا لا نصنع شيئا
هذا بالإضافة إلى العربات التي تنتجها شركة سيماف
ولا تعتقد أن الأمر ينتهي عند هذا الحد – بل أن الجرار الذي تبلغ قوته 4000 حصان يحتاج إلى صيانه، وهذه الصيانة تتكلف الكثير
وقد قرأت من فتره أن قطع الغيار وحدها تحتاج إلى مبلغ 500 مليون جنيه
ولا يوجد بديل لقطع الغيار لأنها تأتي من بلدها أمريكا ويمكن أن تأتي من فرنسا

ولا تبحث عن بديل لها في مصر أو البلاد العربية المجاورة لأننا جميعا لا نصنع أي شيء

فأنت لا تستطيع أن تصنع "مفك" لتفك به مسمار فكيف ستصنع الموتور ذاته
لو كان عندنا أحدا يصنع شيئا في البلاد العربية لوفرنا على انفسنا الكثير
لكن مع الأسف نحن نأخذ كل شيء منهم ونعود ونقول لماذا لا يحدث مثل هذه الحوادث بهذه الكثافة في بلاد أخرى بينما في بلادنا تحدث!
وقيل أن هناك خطه لتطوير المزلقانات لأنها حاليا تعمل بطريقة السلاسل الحديدية
يعني تقف ويفصل بينك وبين القطار سلسله حديدية يقف بجانبها عسكري –يكون في الغالب نائم-
بمعنى ان المنظومه بأكملها تحتاج إلى اعادة تقويم
وهذا لم يحدث سابقا لأنه لم تتوافر الماديات اللازمه لهذا الأمر
والدليل أنه منذ مئة عام وحتى الآن ونحن ندور حول انفسنا ونبحث عن حلول
بالطبع سيقول القائل أنهم يسرقون الأموال
المشكله الآن ان هناك مرفق يحتاج إلى ضخ الأموال داخله لينصلح حاله لأنه مرفق حساس يستعمله ملايين المواطنين يوميا

فلا يوجد أي مبرر الآن للهجوم على الوزير كعادتنا
هيئة السكك الحديدية تحتاج أموال طائلة مثلها مثل قطاعات اخرى كثيرة في الدوله مثل التعليم والصحة
إذا لم تتوافر الماديات لها فلا أمل في حل قريب
نريد أموال لتطوير السكك الحديدية
ونريد أموال لتطوير القصر العيني ومعهد الأورام وانقاذ المرضى الذين ينامون على الرصيف وداخل طرقات المستشفيات الحكوميه
ونريد أموال لإصلاح التعليم وبناء مدارس بدلا من أن يجلس بالفصل 80 طالب
الأمر كله مادي بحت
كل شيء يحتاج إلى أموال لتطويره وبدون المال لن يتغير أي شيء
وسنظل نهاجم هذا الوزير وغيره من الوزراء ونقول ماذا يحدث في سكك حديد مصر ونحن نملك عربات من أيام الإحتلال الإنجليزي لازالت تعمل في عدة خطوط ونراها تقف بعيدا في عدة محطات!
ويمكن هذا عن طريق تحويل مسار بعض الأموال -وهنا أقصد الأموال التي تصرف على المشاريع وليس التي تؤخذ في الجيوب- لنصلح بها بعضا من هذه الأمور التي تحتاج إلى علاج سريع

فيمكن لنا ان نستغنى عن تطوير سور مجرى العيون وبعض آثار فاروق حسني التي تأخذ من ميزانية الدوله الملايين سنويا ونضخ هذه الأموال في قطاعات النقل والصحة بدلا من الذهاب لترميم شيء أثري سيظل يُعمل في ترميمه سنوات وتذهب نصف الأموال اللازمه للترميم لصاحب النصيب
لو حدث وصبرنا على ترميم الآثار فتره قصيره لن يحدث لها شيء وهي موجوده بمكانها من ألف سنه وأكثر
المهم أن ننقذ أرواح وراحة ملايين البشر الذين يعانون يوميا بدلا من أن تحدث الكوارث باستمرار ونظل نبحث عن حلول لمشكلة عمرها مائة سنه ولا فائدة من الكلام!