الأحد، 31 أكتوبر 2010

ما بين المسؤول الجاهل وانعدام الرقابه

وكأن مكتوب على الشعب المصري ان يكون هو في واد والمسؤولين في واد آخر
يتناقش الناس هذه الأيام في وضع الحد الأدني للأجور ووصل الأمر إلى المحاكم
فتارة نقرأ في الصحف ان المحكمة حكمت أو بمعنى أصح -اوصت- بأن يكون الحد الدنى هو 1200 جنيها شهريا
وبعدها شاهدت تصريحان لرئيس اتحاد عمال مصر السيد حسين مجاور قائلا أن المبلغ هو 1000 جنيه وآخر قال أن المبلغ هو 400 جنيه
ثم شاهدت في برنامج "مصر النهارده" أن المقصود بمبلغ 400 جنيه هو الموظف الحديث التخرج او عديم الخبرة أو الذي لا يحمل شهادة وهو في بداية تعيينه
والطامه الكبرى ان مهما حكمت المحكمة او ادلى المسؤولين بتصريحات فإن هذا لن يغير من الواقع شيء لأن المشكلة الرئيسية داخل مصر هي إنعدام الرقابة على المصانع والشركات والتي جعلت الموظف فريسة بين أنياب صاحب العمل يلتهمها في أي وقت يشاء ويقوم بطرده في أي وقت ويعامله معاملة سيئه في اوقات أخرى وجعلت الموظف يعيش مهدد بصورة مستمرة
وقلنا مرارا أن صاحب العمل لا تعنيه القوانين التي تصدر ولا يهمه منها أي شيء لأن السادة المسؤولين داخل مصر لا يهتمون بشئون الناس ولكن كل همهم هو الظهور في التليفزيون وإطلاق التصريحات وسن القوانين، ولكن من يقوم بالتنفيذ ومن يراقب التنفيذ ليصبح القرار منفذ على أرض الواقع؟

من سيذهب ويراقب أجور العمال والموظفين داخل المصانع والشركات ويحمي الموظف من صاحب العمل؟
إنه موظف التأمينات الذي يذهب ويسأل عن الرواتب ويجد صاحب العمل يضع راتبا 120 جنيه -على الورق- للعامل او الموظف لكي يتهرب من سداد التأمينات وموظف التأمينات يكون على علم تام بما يحدث ولكنه يأخذ الرشوة ويخرج لحال سبيله من الشركه
هذه هي الرقابة الموجوده داخل مصر
وعلى هذا الوضع إن تم إصدار قوانين وأحكام للمحاكم لمائة عام إلى الأمام لن يقوم أحدا بتنفيذها طالما انعدمت الرقابه
فاليقول رئيس اتحاد العمال ما يريد، وليقول وزير التنمية الادارية ما يشاء، وليتحدث الناس بأي شيء يريدوه، ولكن الأمر الواقع يقول أن صاحب العمل هو صاحب الكلمه العليا في رواتب الناس طالما ان الحكومه والجهات الرقابية غائبه عن الوعي
والطريف أن هؤلاء المسؤولين بعد أن يقوموا بسن قانون يحدد الأجور والحد الأدنى لها تجدهم يظهرون على شاشات الفضائيات والسعاده تغمر وجوههم وكأنهم فعلوا إنجازا عظيما للبشريه، وهذا الإنجاز بالطبع يكون على الورق وليس أرض الواقع، لكنهم يتوهمون انهم فعلوا شيئا لصالح الناس، وفي الحقيقه كل ما يقولوه ما هو إلا كلام في الهواء لن يقدم ولن يؤخر
...
شاهدت الأسبوع الماضي مصنعان
أحدهما في السادس من أكتوبر للتعبئه والتغليف، وفيه يقوم صاحب العمل بجمع 20 فتاه من أجل العمل يوميا من الثامنه صباحا وحتى السادسه مساءا براتب شهري قدرة 300 جنيه ولمدة 6 أيام اسبوعيا، وألتحقوا بهذا المصنع عن طريق "مقاول أنفار" الذي هو مسؤول عن توريد العماله ، والقانون يقول ان الحد الأقصى للعمل هو 40 ساعه أسبوعيا على ما اتذكر
ومصنع آخر للملابس بمنطقة دار السلام في القاهره وفيه يعمل حوالي 50 فتاه يوميا من الساعه 9 صباحا وحتى الساعه 8 ليلا بعد صلاة العشاء (11 ساعه يوميا تتخللها ساعه للراحه) وبأجر 270 جنيه شهريا، معنى هذا أن الساعه تقف يوميا على العامل ب 80 قرشا!
هذا ما فعلناه في بعضنا داخل مصر
80 قرشا في ساعة العمل، وفتاه تعمل 11 ساعه يوميا طوال الشهر نظير 270 جنيها، ثم أفتح التليفزيون وأجد اجتماعا للمجلس القومي للمرأه يتحدث عن إنجازاته وكوتة المرأه في مجلس الشعب وان المرأه حققت أنتصارا عظيما داخل المجتمع المصري!
من من المسؤولين على دراية بهذه الأمور؟
...
إن مشكلة مصر الأساسية هي عدم الربط بين المسؤول والواقع، وفي أحيان كثيره تجد المسؤول لا يعلم أي شيء عن ما هو موجود داخل البلد لا هو ولا من يساعدوه، هذا بالإضافه إلى إنعدام الرقابه على كل شيء
ويتم رفع قضايا في المحاكم لأخذ رأي القانون وكأن رأي القانون واجب النفاذ في بلدنا
أنظروا إلى أصحاب الحقوق الذين قال في حقهم القانون كلمته منذ سنين ولا يستطيعون الحصول على حقوقهم بسبب عدم تنفيذ الأحكام والمجرمين احرار (وبيطلعوا لسانهم للجميع) دون أن يحاسبهم أحد
فلماذا اللجوء للقضاء وكلمته لا قيمه لها في ظل إنعدام الرقابه على تنفيذ أحكامه
فاليقول كل مسؤول ما يشاء وليتحدث بأي حديث
ولا تلوموا الناس على عدم الإنصات، لأن الناس يعلمون تمام العلم أنه لا فائدة من الإستماع إليكم لأنكم لا تعيشون مع الناس
حتى مساكنكم التي تبيتون فيها تم عزلها في مدن جديده ومخصصه للفيلات والمنتجعات الباهظة الثمن حتى تتجمعوا مع بعضكم البعض وتكونوا منعزلين تماما عن الشارع المصري ومشاكله وما يحدث بداخله وتكون لكم حياتكم وللآخرين حياتهم
لا تصاحب واحدا أولاده في مدارس حكومية ويعاني من ضيق المصاريف
ولا تعطي لنفسك فرصه لتشاهد من يجلس على رصيف مستشفى القصر العيني في الفجر لكي يحصل على كشف مجاني
وإن كان لك أحد الأقرباء مسكينا فإنك لا تعرفه بحجة ضيق الوقت
فيمر اليوم والشهر والسنه وانت تجلس بين الوزراء وأصحاب المعالي ولا تقع عيناك على فقير أو مسكين
فأصبحنا أمام مسؤول جاهل بأمور الناس وُمطالب بحل مشاكلهم