السبت، 28 سبتمبر 2013

لماذا نهوى تقديس البشر؟

تمر اليوم ذكرى وفاة جمال عبد الناصر
وجمال عبد الناصر بالنسبة لي هو قائد نكسة 1967 
ورأيي الشخصي أن جمال عبد الناصر ومحمد حسنين هيكل تسببوا في تدمير مصر وإحتلال أجزاء أخرى من الوطن العربي بسياسات فاشله والتدخل في حروب ما كان لنا فيها ناقة ولا جمل مما تسبب في إنهاك الجيش المصري ومقتل الآلاف من الجنود الأبرياء
وبالطبع لا يمكن أن ننكر أن له إنجازات على المستوى الداخلي، فلا يمكن أن نتحدث عن أحد ظل بالحكم فترة طويله دون أن يفعل شيئا
لكن كل هذه الإنجازات بجانب ما حدث في حرب 67 لا يمكن أن تساوي شيئا لأن هذا الحدث كان زلزالا مدويا على مصر والأمه العربية
كما أن الحال العام في مصر من وود فقر وضنك وإهمال وسوء أحوال منتشر معنا منذ عقود
فلا يمكن أن تشير لي على أن عصر (فلان) كان عصر لا مثيل له لأننا في جميع الأحوال نمر بنفس الظروف في كل عصر
وبشكل دائم عندنا داخل مصر معاناه في العمل والسكن والزواج والتعليم والعلاج وكيفية الصرف على البيت
أنظر إلى أفلام نجيب الريحاني التي كانت في الأربعينيات من القرن الماضي
سوف تجده يعاني من البطاله والفقر والبهدله حتى وهو يعمل مدرس
ثم أنظر إلى أفلام ومسرحيات الستينيات
سوف تجد فؤاد المهندس في مسرحية أنا فين وأنتي فين مدرس مسكين هدومه مقطعه ولا يستطيع أن يستر نفسه
 لكن جمال عبد الناصر على وجه التحديد كثر الكلام عليه في الفتره الأخيره بسبب موقفه من الإخوان، وعندما أشاد الإخوان بعبد الناصر وأيام الستينيات من القرن الماضي ثم أظهروا الجهل والغباء في حكم مصر دفعوا الناس إلى تذكر أيام عبد الناصر من جديد وما فعله بالإخوان وقد أدى هذا إلى حدوث تحول في الفكر الإخواني من التعاطف إلى مهاجمة عبد الناصر، فوجدنا صبيحة يوم 5 يونيو (المغير) يشمت في هزيمة الجيش المصري وكثير من الإخوان يقولون كل نكسه وأنتم بخير، وهذه هي عادتهم دائما، لا يثبتون على موقف وليس لهم كلمه ولا عهد ولا حتى إنتماء للدوله المصريه ولكن ما يبغوه فقط من الحياه هو الإنتماء إلى الجماعه ونصرة الجماعة والسلطه للجماعة
فإن تم إحتلال مصر بأكملها فهذا لن يضرهم في شيء طالما الجماعه لم تكن السبب فيما حدث 
وفي الثلاثون عاما الأخيره ظل الوضع كما هو تقريبا مع التحسن في بعض الأمور المنطقية من مواصلات وإتصالات وغيره، فلا يمكن أن تتخلف عن ما يحدث في العالم لتعيش وحدك في العصر الحجري، ولهذا كان إعتراضي الدائم أيام مبارك على الخطابات التي كانت تقارن الوضع في مصر عام 1981 ووضعها عام 2000 وكيف أن وقتها لم يكن هناك إتصالات بينما الآن أصبحت الإتصالات في كل مكان، أرى أن هذا التطور في بعض الأمور تطور منطقي لا يمكن أن تصنع منه إنجازا تتحدث عنه
فلا يمكن أن تمر عليك السنين الطويله وانت كما أنت والدنيا كلها تجري من حولك، أي أنك مجبر على أن تطور نفسك حتى لو كنت فاسدا لأن الدنيا لا ترحم أحد
كما أنك في بعض الأمور مجبر على إستخدام التكنولوجيا الحديثه في المطارات والسيارات والحاسب الآلي لأن الزمن أختلف
فلا يمكن لك أن تقوم بتشغيل (جيم) على جهاز حاسب آلي يستخدم تطبيق ويندوز 3.11 الذي كان يستخدم في التسعينيات من القرن الماضي
أو أنك تستخدم تكنولوجيا حديثه في صب الخرسانه أثناء البناء
أو تقوم بتطوير وتحديث أسطول الطائرات عندك لأن الطراز القديم لم يعد موجود
ما أقصده هنا هو أن الوصول لمرحلة التطور في بعض الأشياء لا تعتبر إنجازا بل هي شيء ملزم لك
ولهذا فالحديث عن الإنجازات يجب أن يكون منطقيا
الإنجاز ليس أن تقوم بتطوير رغيف عيش أو تفتتح عددا من المصانع أو تواكب تكنولوجيا حديثه أنت مجبر على إستخدامها حتى لا تسقط في القاع
الإنجاز هو أن تقوم بتغيير الواقع المؤلم للبلد الذي تعيش فيه، أن تقوم بعمل نقله أخرى لفكر الناس ينتج عنه تقدم إقتصادي وتكون مؤثر في هذا العالم بالمال ليكون لك تأثير في صناعة القرار السياسي داخل العالم
أنظر غلى الخليج- بلاد غنيه ومعها المال الوفير، لكن الكلمه الأولى والأخيره لأمريكا وأوربا والصين وهم المتحكمين في مجلس الأمن وفي كل شيء لأنهم يملكون العلم والفكر والتقدم القدره على التطوير المستمر
هم يصنعون المال بفكرهم ويغزون العالم بإنتاجهم ثم يتحكمون فيه بعد ذلك 
وبالفعل، هم الأحق بالتحكم فيما يجري بالعالم الآن
فتجد الرئيس الأمريكي كلمته مسموعه عند الجميع والكل ينصت له عندما يتكلم لكي يعرف رأيه في أي قضيه لأنها أمريكا التي تملك العلم والتقدم والتطوير وهي التي صنعت حاملات الطائرات والمقاتلات وصنعت علم السياسه وعلم التفاوض وعلى الحرب
ومن هنا يمكن أن نتحدث عن الإنجازات
لكن عجبا
أجد حكام لم يحدثوا (نقله) في بلادهم وظلت الأمور على حالها وبدلا من النقد الموضوعي والإشاده بالإنجازات بغير تهويل فإننا نقوم بتقديس هؤلاء الحكام بطريقه يمكن أن تدفع الطرف الثاني أن يعتقد انك في نار جهنم لأنك تعارضه كما حدث مؤخرا
ولهذا تجد أن العرب هم الوحيدين في العالم الذي يعبدون البشر حق العباده
وهم الوحيدين الذين يضعون صور الزعماء في بيوتهم وعلى البروفيل الخاص بهم على مواقع التواصل الإجتماعي
وهم الوحيدين الذين لا يمكن أن توجه أي نقد للحاكم أمامهم لأنك إن فعلت ذلك ربما كنت في نظرهم إما أحمق او جاهل أو كافر وسوف تحشر في جهنم كما يتحدث الآن أنصار مرسي
لم يدافع احد في مصر عن قضيه ولكننا ندافع عن أشخاص
لم ندافع عن كرامتنا وحريتنا ولكننا ندافع عن أصنام
لم نراعي ظروفنا الإقتصادية والإجتماعية ولكننا تشاجرنا مع إخواننا من أجل صنم في منصب حاكم
رحل من رحل بخيره وشره، فلا داعي من رفع صور أموات لن يعودوا إلى الحياه مرة أخرى
فالنعبد الله وحده ولا نشرك به صنما منصبه رئيس جمهورية سابق
ولنتأكد قبل الحديث عن (إنجازات) لأن كلمة (إنجاز) هذه ذات معنى عظيم وكبير
لكن مع المصريين صار زيادة عدد خطوط التليفونات إنجاز، وأصبح بناء مصنع إنجاز
ومن لم نجد له إنجازات قلنا للناس أنه رجل مبروك ومؤيد من رب العالمين، ووصفنا إطلاق لحيته على أنها إنجاز وكتبنا هذا في كتب وتمت طباعتها حتى يعرف الناس هذا الإنجاز العظيم بالإضافة إلى أداء صلاة الجمعة في مساجد مختلفه
المهم في الموضوع أن يكون هناك (إنجازات) نستطيع أن نتحدث بها أمام الناس لتلميع الصنم حتى ولو كانت كوميديه كما أطلقها أنصار مرسي عليه مؤخرا
ولكن نلاحظ أن تقديس البشر أختلف في الماضي عن العصر الحديث
ففي الماضي كان أكبر شيء يمكن أن يتم فعله هو رفع صورة الحاكم وتعليقها على الحائط
 أما هذه الأيام فقد سمعنا عن الرئيس المؤيد من الله، 
وسمعنا عن تحريم الصلاه على بعض أموات المسلمين المعارضين لنا في الفكر،
 وسمعنا عن المشايخ الذين يحرمون إنتخاب أشخاصا بعينهم،
  وسمعنا عن الرئيس المقدس الذي يتم تشبيهه بالأنبياء
فالأمر الآن تعدى مرحلة الصور وأصبح يتعلق بالحشر يوم القيامه
وسمعنا عن أنه من لا يؤيد فلان لا يمكن أن يتزوج من تؤيده
كل ما أخاف منه هو إعتبار من لا يؤيد مرسي "مرتد" ويجب أن ينفصل عن زوجته !